الأربعاء، 25 أكتوبر 2023

انس شعير: رياضة "الغوص الحر" تحارب الخوف .. وأبطال المغرب يحتاجون الإنصاف

 قال البطل المغربي في رياضة الغوص الحر أنس شعير إن “هذه الرياضة جذابة وساحرة من حيث قدرتها على تمكين الممارس لها من إقامة علاقة معبّرة مع جمال المحيط، وتجربة الهدوء تحت سطح الماء، والتغلب على المخاوف الشخصية”.

ولهذا، اعتبر ابن الدار البيضاء أن “الغوص شكل من أشكال الفن وأسلوب حياة وشهادة على مدى قدرة الإنسان”، وهو ما قاده إلى مصر سنة 2018 ليتعلم هذه الرياضة التي سيصبح مدربا لها في برلين بألمانيا.

ولم ينكر شعير، في هذا الحوار مع هسبريس، أن الدعم الذي يتلقاه من الدول الأجنبية يشعره بـ”الإحباط” لكون “المغرب الذي يحمل علمه بكل فخر لا يزال يتقاعس في تقديم الدعم اللازم لأبطال الغطس الحر، خصوصا الذين حققوا أرقاما قياسية”.

ودعا المُحاوَر إلى أن ينهج المغرب سياسة خاصة للنهوض بهذه الرياضة من حيث بنية الاستثمارات والتوعية والتحسيس للتعريف بأهمية هذه الرياضة وآفاقها الممكنة بالبلد.

نص الحوار:

 بداية، أنس شعير بطل مغربي في رياضة الغوص الحر، هل يمكنك أن تقربنا من مسارك؟

أنس شعير هو شاب مغربي، ربما صار نموذجا لرياضة الغوص الحر بالمغرب بعدما أضحيتُ أمثّل بلدي في العديد من الفعاليات الدولية والعالمية، وتمكنت من مراكمة إنجازات ناجمة عن جهد كبير وانشداد تلقائي إلى رياضة جذابة ولكن صعبة. أبلغُ من العمر الآن 26 سنة، وحطمت في هذه السنّ العديد من الأرقام القياسية الوطنية، وأظهرت سمات المرونة والتميز التي يتصفُ بها المغرب أمام العالم. أحاول جاهداً أن أكون سفيراً لبلدي، وأنا على يقين دائما بأن الحماس والمثابرة يمنحان الإنسان القدرة على تحقيق نتائج هائلة ويخولان له ترك بصمة لا تمحى في الساحة الدولية.

عندما كنت طفلاً شاركت في العديد من الألعاب الرياضية في مدينتي الدار البيضاء، مثل السباحة والفنون القتالية، على الرغم من أنني لم أكن قد وصلت إلى المستوى الاحترافي حينها. ومع ذلك ظل شيء واحد ثابتا على مر السنين هو ذاك الشغف العميق بالمياه، بالمحيط. كان انجذابي إلى البحر أكثر من مجرد افتتان نابع من مرحلة الطفولة؛ لقد كان نداءً متجدداً ودائماً. وهكذا، خلال سنة 2018، تملكني طموح بأن أصبح بطلاً في الغوص الحر، وهو ما قادني إلى مصر، التي تعلمت في بحرها الأحمر كيف أصبح غوّاصا وكيف أصير مدربا في هذه الرياضة.

بعد مرور سنة على ذلك، وبالضبط في سنة 2019، انتقلت إلى الديار الألمانية لأسباب مهنية خالصة تتعلق بالعمل في المجال ذاته. هذا الانتقال لم يجعلني نهائيا أفلت خيط هذا العشق العارم للغوص الحر. أقيم حاليا ببرلين، وإلى حدود الآن ما زلتُ أستطيع إيجاد طرق لضبط التوازن بين متابعة تداريبي الخاصة في الغوص الحر وتقاسم تجربتي وخبرتي في الرياضة من خلال تأطير دورات حولها.

في السنة ذاتها، أي 2019، حطمت أول رقم قياسي، كما مثلت المغرب في كرواتيا خلال سنة 2020، وحققت ثلاثة أرقام قياسيّة جديدة هناك في تخصصات مختلفة من الغوص.

كبرت الطموحات فأتيحت لي الفرصة بأن أمثل المغرب في بطولة العالم بقبرص سنة 2021، وقد كنت المغربي والإفريقي الوحيد حينئذٍ، وهذا كان فخراً كبيراً بالنسبة لي. وفي 2023 مثلت المغرب مجددا في بطولة العالم بقبرص، وحققت رقما قياسيا حيث بلغت 61 مترا تحت الماء بنفس واحد. وكنت إلى جانب عدّاءة أخرى من مصر نمثل القارة الإفريقيّة. بعد ذلك أصبحت أحتل الرتبة الأولى في المغرب والرابعة على مستوى القارة بعد هذه البطولة.

يبدو إذن أن النشأة في مدينة ساحلية مثل الدار البيضاء كانت عاملاً في تنمية حب كبير للغوص الحر.

هل يمكن أن تخبرنا ما هي القيمة المضافة لهذه الرياضة مثلاً، حيث إن الكثيرين يعتبرونها خطرة؟

بداية، أودّ أن أشير إلى أن هناك أبطالا مغاربة آخرين حققوا أرقاماً قياسيّة، كيوسف حبيدة وعبلة شجاع وفؤاد زاغو، في تخصصات مختلفة من الغوص الحر.

نعم، نشأتُ بالدار البيضاء، وقضيت مراحل طفولتي ومراهقتي بأكملها بالقرب من البحر. أستطيع القول إنني بدأت السباحة في سن جد مبكرة، مما لعب بلا شك دورا محوريا في حبي العميق للمياه، خصوصاً عالم ما تحت الماء. وقد زادت رغبتي في اكتشاف المزيد من مكنونات البحر بعد زياراتي المتكررة للساحل الشمالي للمغرب. لكن فقط في عام 2017 اكتشفتُ وجود رياضة الغوص الحر كصنف رياضي قائم بذاته. ومنذ ذلك الحين أصبح واضحاً بالنسبة لي أن ثمة شيئا ما يناديني في هذه الرياضة.

وأتصور فعلا أنها رياضة خطيرة، كما يراها الكثيرون، إلا أنني أعتبرها بوّابة متفرّدة وناجعة لاكتشاف ما يوجد في جوف البحر. ربما لا يقتصر الأمر على تجاوز الحدود المادية للماء فحسب، بل يتعلق كذلك أيضا بإقامة علاقة معبّرة مع جمال المحيط، وتجربة الهدوء تحت سطح الماء، والتغلب على المخاوف الشخصية. يعتبر الغوص الحر، بالنسبة لي، شكلاً من أشكال الفن وأسلوب حياة وشهادة على مدى قدرة الإنسان.

– حققتَ أرقاما قياسية، لكن كما قلت، في نقاش بيننا، فإن الدعم الذي حصلت عليه كان يأتي من الدول الأجنبية، خاصة ألمانيا. هل شعورك بـ”عدم الإنصاف من بلدك” يؤثر على مسارك البطولي؟

صراحة، هذا مُحبط ومؤسف، لأن مسابقات الغوص الحر والتداريب تتطلب تكلفة مالية كبيرة. لذا من الضروري الإشارة إلى أن الجانب المالي هو بالتأكيد عامل مقيد لما يمكن للرياضي تحقيقه. وهذا محبط أيضا على اعتبار أنه بالرغم من الإنجازات التي حققتها، فقد واجهت تحديات في أن أحصل على المستوى نفسه من الاعتراف والدعم من المغرب كما حصلت عليه من مصادر دولية. هذا مخيب للآمال، خصوصا عندما يأخذ الفرد في الاعتبار الفخر الكبير الذي يشعر به في تمثيل بلده المغرب على نطاق عالمي.

ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن مرونتي وحماسي ما زالا ثابتين. وفي الحقيقة، التزامي بتمهيد الطريق للغوص الحر في المغرب يتجاوز هذا الاحباط المتعلق بالتفاوت في الدعم. ولذلك أواصل مساري في هذه الرياضة بشغف وجنون. وأتشرف دائماً برفع العلم المغربي في الساحة العالمية، وما زلت أسعى إلى إنشاء فريق مغربي لزيادة مشاركة المغاربة في هذه الرياضة.

– أنت تشرف حاليا على تداريب الغوص الحر ببرلين، وهذه بالطبع لعبة تتطلب تكلفة مالية وجسدية وذهنية كما ذكرت. لكن ما هو تشخيصك لوضعية الغوص الحر في المغرب؟

في الحقيقة، هناك تحديات متعددة الأوجه تواجه هذا المجال في المغرب. هناك انحسار للبعد الإشعاعي لهذه الرياضة، وضعف الانتشار في البلاد بسبب بعض العراقيل المادية، دون أن ننسى العوامل المتعلقة بضعف الوعي وما تلعبه من دور حيوي. بصفتي رياضيا ممارسا، أعي أن التكاليف المالية والجسدية والذهنية كبيرة. ومن ثمّ أعتقد أن معالجة هذه القضايا من طرف الجهات المختصة أمر بالغ الأهمية لكي تزدهر هذه الرياضة في المغرب، وتتوفر رعاية وأرضية مشجعة لبروز جيل جديد من الرياضيين.

التكلفة المالية المرتبطة بالغوص الحر، بما في ذلك التدريب والمعدات والمشاركة في المسابقات الدولية، كبيرة. ومما لا شك فيه أن الرياضيين الطموحين سيلاقون، خلال الوضعية الحالية، صعوبات جمة لأجل تأمين الدعم المالي المطلوب للتفوق في هذه الرياضة. وطبعاً لا يزال الغوص الحر رياضة متخصصة. ومحدودية الوعي ونقصان الاعتراف يعنيان أن الأفراد الموهوبين الذين يتفوّقون في رياضة الغوص الحر قد لا يكونون على دراية بالفرص التي تقدمها، مما يؤدي إلى نقص التمثيل، وبالتالي تراجع إمكانات هذه الرياضة.

لهذا أتصور أن ما أقوله الآن يمكن أن يُلتقط كدعوة للعمل على تسليط المزيد من الضوء، وعلى الحاجة إلى الاستثمار في تطوير الغوص الحر في المغرب، بما في ذلك إنشاء مرافق التدريب المناسبة، وآليات الدعم المالي للرياضيين، وحملات التوعية لتقديم هذه الرياضة إلى جمهور أوسع. إن مواجهة هذه التحديات أمر ضروري لتعزيز نمو هذه الرياضة ورعاية مواهب جيل المستقبل من الغواصين المغاربة.

– دعوتك هذه توجهها، على ما يبدو، إلى السلطات المغربية. لكن ما هي أهم الأشياء الأخرى التي لم تذكرها في معرض تشخيصك وتظن أن على الجهات المختصة التعامل معها؟

رسالتي إلى السلطات المغربية لا تشمل رؤية تستشرف مستقبل هذه الرياضة فحسب، بل تشمل أيضاً دعوة للاعتراف بمساهمات الماضي والحاضر للرياضيين المغاربة في مجال الغطس الحر، الذين مثلوا وطنهم في المسابقات الدولية ذائعة الصيت. ولذلك من الضروري للغاية تخصيص استثمارات في رعاية المواهب المحلية في المجال، كما ذكرت قبل قليل. ومن خلال توفير الدعم والموارد يمكنهم ضمان حصول المغاربة المهتمين بهذه الرياضة على فرصة تحقيق نتائج رائعة. ويمكن أن يكون خلق بيئة مواتية والمساعدة المالية فعالا في تعزيز نمو الغوص الحر داخل البلاد.

إلى جانب ذلك لا بد من التأكيد على أهمية الاعتراف والاحتفاء بجهود وإنجازات رياضيي الغوص الحر الذين مثلوا المغرب بفخر في الساحة العالمية.

لا يؤكد هذا الاعتراف تفانيهم فحسب، بل يلهم أيضا جيلا بكامله للسير على المنوال ذاته ورفع السقف أكثر، وبالتالي تشكيل نواة أقوى لممارسي هذه الرياضة.

دع السلطات تأخذ قولي هذا كنداء صريح للنظر إلى الغوص الحر كآلية ناجعة وفعالة لعرض المواهب المغربية. ومن خلال الاستثمار في هذه الرياضة والاعتراف بالرياضيين الذين كرسوا أنفسهم لتحقيقها لن يكون المغرب قد عزز وجوده في المجتمع الدولي للغوص الحر فقط، بل سيكون أيضا مشجعاً لجيل بكامله على أن يمارس الغطس بكل شاعريته المتاحة، وأن يتمكن من حمل العلم المغربي في مختلف الفرص السانحة عبر العالم.

– هل تعتقد أن المغرب يمكن أن يصبح يوما ما رائداً في رياضة الغطس الحر ويتمكن من احتضان بطولة العالم؟

أعتقد أن المغرب بعد الإنجازات الرياضية الهائلة مؤخراً، بات بالفعل دولة رائدة رياضيا، ويتجه ليكون لاعبا رئيسيا على مستوى خريطة الرياضة العالمية. يكفي أن نذكر الأحداث التي يقبل المغرب على تنظيمها لندلل على الحضور المتزايد للبلاد في الساحة الرياضية الدولية؛ المغرب نال شرف احتضان كأس الأمم الإفريقية 2025، وسينظم بشكل مشترك كأس العالم 2030 مع إسبانيا والبرتغال، وهذا يظهر التزامه بالتميز الرياضي، ومدى قابلية البلاد للسير على هذا المنوال فيما يخص رياضات أخرى.

لذلك لا أخفي نهائيا أن الرغبة في أن يستضيف المغرب، بلدي، بطولة العالم للغوص الحر هي حلم قديم وطموح أسعى إليه كبطل مغربي يستعد ليضع كل خبرته رهن إشارة وطنه. وأتصور أنه اعتبارا لكون هذا الحدث لم ينظم قط من قبل في القارة الإفريقية، فهذا سيعضّد التزام المغرب بتنويع محفظته الرياضية ووضع بصمته في المجالات الفريدة والأقل استكشافا في عالم الرياضة. ومن خلال استضافة هذه البطولة يمكن للمغرب أن يعزز مكانته كدولة فاعلة في هذه الرياضة الجذابة. وفي هذه المهمة سيصنع المغرب تاريخا جديدا، حيث سيكون أول بلد في القارة السمراء يفعل ذلك.

المصدر: هسبرس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق